الأحد، 26 يوليو 2009

الخيميائي / باولو كويلو

وأود قبل أن نفترق أن أروي لك هذه الحكاية القصيرة:
"أرسل أحد التجار ابنه لكي يتعلم سر السعادة من أكبر حكيم بين البشر. سار الفتى، طوال أربعين يوما، في الصحراء قبل أن يصل، أخيراً، إلى قصر جميل يقع على قمة جبل، حيث يعيش الحكيم الذي يبحث عنه. وبدل أن يلتقي رجلا قديسا، دخل قاعة تعج بالحركة والناس: تجار يدخلون ويخرجون، وأناس يثرثرون في إحدى الزوايا، وجوقة تعزف قطعاً موسيقية عذبة، ومائدة حافلة بأشهى أطعمة هذه المنطقة من العالم. وكان الحكيم يتكلم إلى هؤلاء وأولئك، فاضطر الفتى أن يصبر ساعتين كاملتين قبل أن يحين دوره.
استمع الحكيم، بانتباه، إلى الفتى وهو يشرح سبب زيارته، لكنه قال أن لا وقت لديه، الآن، ليكشف عن سر السعادة. واقترح على الفتى أن يقوم بجولة في القصر، وأن يعود إليه بعد ساعتين.
وأضاف الحكيم، وهو يعطي الفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتا زيت: بيد أني أريد منك أثناء تجوالك أن تمسك بهذه الملعقة، على نحو لا يؤذي إلى انسكاب الزيت منها.
بدأ الفتى يصعد وينزل على سلالم القصر مثبتاً عينيه، باستمرار، على الملعقة وعاد بعد ساعتين إلى مقابلة الحكيم.
سأله الحكيم: هل شاهدت السجاجيد الفارسية في غرفة طعامي؟ هل شاهدت الحدبقة التي استغرق إنشاؤها عشر سنوات على يد أمهر بستاني؟ هل لاحظت الرق الجميل في مكتبتي؟
اعترف الفتى، مرتبكاً، أنه لم يشاهد شيئاً، بل كان همه الوحيد عدم انسكاب نقطتي الزيت اللتين عهد الحكيم بهما إليه.
فقال الحكيم: حسناً عد، الآن وتعرف إلى روائع عالمي الخاص. للأننا لا نستطيع الوثوق برجل، إذا نحن لم نعترف إلى المنزل الذي يسكنه.
أخذ الفتى الملعقة، وقد غدا أكثر ثقة بنفسه، وعاد يتجول في القصر، مولياً انتباهه، هذه المرة، إلى شتى التحف الفنية المعلقة على الجدران، وعلى السقوف. وشاهد الحدائق والجبال المحيطة بها، وأناقة الأزهار، ورهافة الذوق في وضع كل تحفة فنية في المكان الذي يلائمها.ولدى عودته إلى الحكيم، تحدث بدقة عن كل ما شاهده. وحين سأله الحكيم: أين هما نقطتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟ أدرك الفتى، وهو ينظر إلى الملعقة، حينذاك، ضياعهما.
عندئذ قال الحكيم: تلك هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها إليك: إن سر السعادة هو في أن تشاهد كل روائع الدنيا دون أن تنسى، إطلاقاً، نقطتي الزيت في الملعقة.